كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الفرع الخامس: اعلم أنه لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو كان يمر من وراء المسعى، حتى يصل إلى الصفا والمروة من جهة أخرى لم يصح سعيه، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه. وعن الشافعي في القديم: أنه لو انحرف عن موضع السعي انحرافًا يسيرًا أنه يجزئه. والظاهر أن التحقيق خلافه وأنه لا يصح السعي إلا في موضعه.
الفرع السادس: اعلم أن الأظهر أقوال أهل العلم دليلًا: أنه لو سعى راكبًا أو طاف راكبًا أجزأه ذلك، لما قدمنا في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع بالبيت، وبين الصفا والمروة، وهو على راحلته، ومعلوم أن من أهل العلم من يقول: لا يجزئه السعي، ولا الطواف راكبًا إلا لضرورة ومنهم: من منع الركوب في الطواف، وكرهه في السعي إلا لضرورة، ومنهم من يقول: إن ركب ولم يعد سعيه ماشيئًّا، حتى رجع إلى وطنه فعليه الدم.
والأظهر هو ما قدمنا. لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبًان وسعى راكبًا، وهو صلوات الله وسلامه عليه لا يفعل إلا ما يسوغ فعله، وقد قال لنا «خذوا عني مناسككم» والذين قالوا: إن الطواف والسعي يلزم فيهما المشي. قالوا: إن ركوبه لعلة وبعضهم يقول: هي كونه مريضًا كما جاء في بعض الروايات، وبعضهم يقول: هي أن يرتفع، ويشرف حتى يراه الناس ويسألوه، وبعضهم يقول: هي كراهيته أن يضرب عنه الناس، وقد قدمنا الروايات بذلك في صحيح مسلم، ففي حديث جابر عند مسلم: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف، وليسألوه فإن الناس قد غشوه». وفي رواية في صحيح مسلم عن جابر رضي الله: «طاف النَّبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس، وليشرف، وليسألوه حول الكعبة على بعير يستلم الركن، كراهية أن يضرب عنه الناس».
المسألة السابعة:
اعلم أن العلماء أجمعوا على أن الوقوف بعرفة: ركن من أركان الحج لا يصح الحج بدونه، وأنهم أجمعوا على أن الوقوف ينتهي وقته بطلوع فجر يوم النحر، فمن طلع فجر يوم النحر، وهو لم يأت عرفة فقد فاته الحج إجماعًا، ومن جمع في وقوف عرفة بين الليل والنهار وكان جزء النهار الذي وقف فيه من بعد الزوال فوقوفه تام، ومن اقتصر على جزء من الليل دون النهار صح حجه، ولزمه دم عند المالكية، خلافًا لجماهير أهل العلم القائلين: بأنه لا دم عليه، وما ذكره النووي عن بعض الخراسانيين: من أن الوقوف بالليل لا يجزئ ولا يصح به الحج، حتى يقف معه بعض النهار ظاهر السقوط لمخالفته للنص، وعامة أهل العلم، ومن اقتصر على جزء من النهار دون الليل لم يصح حجه عند مالك، وهو رواية عن أحمد، وعند الشافعي، وأبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى: حجه صحيح، وعليه دم، ولا خلاف بين العلماء: أن عرفة كلها موقف.
والدليل على أن الوقوف بعرفة ركن، وأن وقته ينتهي بطلوع الفجر ليلة النحر: ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن، وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الدِّيلي رضي الله عنه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال «الحج عرفة، فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج» قال ابن حجر في التلخيص الحبير في هذا الحديث: رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن يعمر، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ فقال «الحج عرفة من جاء عرفة قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه» لفظ أحمد وفي رواية لأبي داود «من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج» وألفاظ الباقين نحوه.
وفي رواية للدارقطني والبيهقي: الحج عرفة الحج عرفة. انتهى من التلخيص.
وفي سنن أبي داود: الحج الحج يوم عرفة، بتكرير لفظة الحج. وفي سنن النسائي: فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع، فقد تم حجه. وقال ابن ماجه في سننه، بعد أن ساق الحديث باللفظ الذي ذكره صاحب التلخيص: قال محمد بن يحيى: ما رأرى للثوري حديثا أشرف منه. وقال النووي في شرح المهذب: حديث عبد الرحمن الديلي صحيح رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وآخرون بأسانيد صحيحة.
وهذا لفظ الترمذي عن عبد الرحمن بن يعمر: أن ناسًا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن الحج؟ فأمر مناديًّا ينادي: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج. وفي رواية أبي داود «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فنادى: الحج الحج يوم عرفة، من جاء قبل الصبح من ليلة جمع فتم حجه» وفي رواية البيهقي، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي، قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول «الحج عرفات الحج عرفات فمن أدرك ليلة جمع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك» وإسناد هذه الرواية صحيح، وهو من رواية سفيان بن عيينة.
قلت: عن سفيان الثوري، قال ابن عيينة: ليس عندكم بالكوفة، حديث أشرف ولا أحسن من هذا. انتهى كلام النووي.
ودليل الإجماع على أن من جمع في وقوفه بعرفة بين جزء من الليل، وجزء من النهار، من بعد الزوال: أن وقوفه تام، هو ما ثبت في الروايات الصحيحة «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل وقال: لتأخذوا عني مناسككم».
فمن الروايات الصحيحة الدالة على ذلك، ما رواه مسلم في صحيحه في حديث جابر الطويل في حجة النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإن فيه «فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة، قد ضربت له بنمرة، فنزل حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس إلى أن قال: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء، إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلًا، حتى غاب القرص» الحديث.
ففي هذا الحديث الصحيح: أنه جمع في وقوفه بين النهار من بعد الزوال، وبين جزء قليل من الليل مع قوله «لتأخذوا عني مناسككم» ودليل القائلين بأن من اقتصر في وقوفه بعرفة على جزء من الليل، دون النهار فقد تم حجه: حديث عبد الرحمن بن يعمر المذكور، فإن فيه تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم، بأن من أدرك عرفة، قبل طلوع الفجر من ليلة جمع، فقد تم حجه. وجمع: هي المزدلفة، وليلتها: هي الليلة التي صبيحتها يوم النحر.
ودليل من ألزموه دمًا مع وقوفه بعرفة في جزء من الليل: وهم المالكية أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالليل، بل وقف معه جزءًا من النهار، فتارك الوقوف بالنهار تارك نسكًا. وفي الأثر المروي عن ابن عباس: من ترك نسكًا فعليه دم، ولَكِن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الدِّيلي «فقد تم حجه» لا يساعد على لزوم الدم، لأن لفظ التمام، يدل على عدم الحاجة إلى الجبر بدم، فهو يؤيد مذهب الجمهور، والعلم عند الله تعالى.
ودليل من قال: بأن من اقتصر في وقوفه على النهار، دون الليل: أن وقوفه صحيح وحجه تام حديث عروة بن مضرب بن أسو بن حارثة بن لأمٍ الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة، حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبلي طيئ. أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي. والله! ما تركت من جبل، إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه وقضى تفثه». اهـ.
قال المجد في المنتفى، بعد أن ساق هذا الحديث: رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير في هذا الحديث: رواه أحمد وأصحاب السنن، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، ثم قال: وصحح هذا الحديث الدارقطني، والحاكم، والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما.
وقال النووي في شرح المهذب في حديث عروة بن مضرس: هذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم، بأسانيد صحيحة. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح.
ودليل أن عرفة كلها موقف ما رواه مسلم في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي عن جعفر، حدثني أبي عن جابر في حديثه ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحرت ها هنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم ووقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف» انتهى من صحيح مسلم.
وقال المجد في المنتقى: بعد أن ساق هذا الحديث بلفظ مسلم الذي سقناه به: رواه أحمد ومسلم، وأبو داود، ولابن ماجه وأحمد أيضًا نحوه وفيه «وكل فجاج مكة طريق ومنحر» وقد قدمنا إجماع أهل العلم على أن وقت الوقوف ينتهي بطلوع الفجر، ليلة جمع. وإجماعهم على أن ما بعد الزوال من يوم عرفة، وقت للوقوف. وأما ما قبل الزوال من يوم عرفة، فجمهور أهل العلم على أنه ليس وقتًا للوقوف، وخالف الإمام أحمد رحمه الله الجمهور في ذلك قائلًا: إن يوم عرفة كله من طلوع فجره إلى غروبه، وقت للوقوف، واحتج لذلك بحديث عروة بن المضرس، المذكور آنفًا فإن فيه: وقد وقف بعرفة ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه، فقوله صلى الله عليه وسلم: «ليلًا أو نهارًا» يدل على شمول الحكم لجميع الليل والنهار، وقد قدمنا قول المجد في المنتقى، بعد أن ساق هذا الحديث: وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف، وحجة الجمهور هي: أن المراد بالنهار في حديث عروة المذكور خصوص ما بعد الزوال، بدليل أن النَّبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده، لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله. قالوا: ففعله صلى الله عليه وسلم، وفعل خلفائه من بعده مبين للمراد من قوله: أو نهارًا.
والحاصل: أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج إجماعًا، وأن من جمع بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام إجماعًا، وأن من اقتصر على الليل دون النهار، فوقوفه تام ولا دم عليه عند الجمهور، خلافًا للمالكية القائلين بلزوم الدم، وأن من اقتصر على النهار دون الليل، لم يصح وقوفه عند المالكية. وعند جمهور العلماء: حجه صحيح. منهم الشافعي، وأبو حنيفة، وعطاء، والثوري، وأبو ثور، وهو الصحيح من مذهب أحمد.
ولَكِن اختلفوا في وجوب الدم، فقال أحمد وأبو حنيفة: يلزمه دم، وعن الشافعية قولان: أحدهما: لا دم عليه. وصححه النووي وغيره. والثاني: عليه دم. قيل وجوبًا، وقيل: استنانًان وقيل: ندبًا. والأصح أنه سنة على القول به، كما جزم به النووي. وإنما قيل: الزوال من يوم عرفة ليس وقتًا للوقوف عند جماهير العلماء، خلافًا للإمام أحمد رحمه الله، وقد رأيت أدلة الجميع.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أما من اقتصر في وقوفه على الليل دون النهار، أو النهار من بعد الزوال، دون الليل، فأظهر الأقوال فيه دليلًا: عدم لزوم الدم. أما المقتصر على الليل فلحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه، الذي قدمناه قريبًا، وبينا أنه صحيح. وفيه عند أحمد والنسائي فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه. هذا لفظ النسائي، ولفظ أحمد: من جاء عرفة قبل صلاة الفجر من ليلة جمع، فقد تم حجه،اهـ.
ولفظ أحمد المذكور بواسطة نقل ابن حجر في التلخيص فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الثابت: فقد تم حجه مرتبًا ذلك على إتيانه عرفة، قبل طلوع فجر يوم النحر، نص صريح في أن المقتصر على الوقوف ليلًا: أن حجه تام، وظاهر التعبير بلفظ التمام، عدم لزوم الدم، ولم يثبت ما يعارضه من صريح الكتاب أو السنة، وعلى هذا جمهور أهل العلم، خلافًا للمالكية. وأما المقتصر على النهار دون الليل، فلحديث عروة بن مضرس الطائي، وقد قدمناه قريبًا، وبينا أنه صحيح، وبينا أن فيه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: «وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا» يدل على أن الواقف نهارًا يتم حجه بذلك، والتعبير بلفظ التمام ظاهر، في عدم لزوم الجبر بالدم، كما بيناه فيما قبله، ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحديث، وعدم لزوم الدم للمتقصر على النهار، هو الصحيح من مذهب الشاعفي، لدلالة هذا الحديث على ذلك، كما ترى. والعلم عند الله تعالى.
وأما الاكتفاء بالوقوف يوم عرفة قبل الزوال، فقد قدمنا: أن ظاهر حديث ابن مضرس المذكورن يدل عليه، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «أو نهارًا» صادق بأول النهار وآخره. كما ذهب إليه الإمام أحمد. ولَكِن فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه من بعده، كالتفسير للمراد بالنهار، في الحديث المذكور، وأنه بعد الزوال، وكلاهما له وجه من النظر، ولا شك أن عدم الاقتصار على أول النهار أحوط، والعلم عند الله تعالى.
وحجة مالك: في أن الوقوف نهارًا لا يجزئ إلا إذا وقف معه جزءًا من الليل: هي أن النَّبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك، وقال: «لتأخذوا عني مناسككم» فيلزمنا أن نأخذ عنه من مناسكنا الجمع في الوقوف بين الليل والنهار، ولا يخفى أن هذا لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح في محل النزاع الذي فيه، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه كما ترى.
واعلم: أنه إن وقف بعد الزوال بعرفة ثم أفاض منها قبل الغروب ثم رجع إلى عرفة في ليلة جمع: أن وقوفه تام ولا دم عليه في أظهر القولين، لأنه جمع في وقوفه بين الليل والنهار، خلافًا لأبي حنيفة، وأبي ثور القائلين: بأن الدم لزمه بإفاضته، قبل الليل وأن رجوعه بعد ذلك ليلًا لا يسقط عنه ذلك الدم بعد لزومه. والله تعالى أعلم.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الفرع الأول: اعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في صحة الوقوف، دون الطهارة، فيصح وقوف الجنب والحائض، وقد قدمنا دليل ذلك في حديث عائشة المتفق عليه، لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمرها فيه، بأن تفعل كل ما يفعله الحاج، غير أن لا تطوف بالبيت.
الفرع الثاني: اعلم أن العلماء اختلوفا في صحة وقوف المغمى عليه بعرفة. قال النووي، في شرح المهذب: ذكرنا أن الأصح عندنا أنه لا يصح وقوف المغمى عليه، وحكاه ابن المنذر عن الشافعي وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، قال: وبه أقوال، وقال مالك وأبو حنيفة: يصح.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ليس في وقوف المغمى عليه نص من كتاب ولا سنة، يدل على صحته أو عدمها.
وأظهر القولين عندي: قول من قال: بصحته لما قدمنا، من أنه لا تشترط له نية تخصه، وإذا سلمنا صحته بدون النية، كما قدمنا أنه هو الصواب فلا مانع من صحته من المغمى عليه، كما يصح من النائم، واحتج من خالف في ذلك، بأن المغمى عليه ليس من أهل العبادة، حتى يصح وقوفه، وممن قال بعدم صحته: الحسن، وممن قال بصحته: عطاء، والله تعالى أعلم.
الفرع الثالث: اعلم أن العلماء اختلفوا فيمن وقف بعرفات، وهو لا يعلم أنها عرفات، قال النووي في شرح المهذب: قد ذكرنا أن مذهبنا صحة وقوفه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وحكى ابن المنذر عن بعض العلماء أنه لا يجزئه. انتهى منه.
الفرع الرابع: اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في مشروعية جمع الظهر والعصر جمع تقديم يوم عرفة والمغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة، وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر رضي الله عنه.
وأظهر الأقوال دليلًا: أنه يؤذن للظهر فقط، ويقيم لكل واحدة منهما.